مداهمة تحولت إلى صفقة مالية: الرواية الكاملة لفضيحة “سيتي بلاج”
#تحقيق| تكشف حادثة اعتقال مواطن في حي "سيتي بلاج" بنواكشوط عن خيوط شبكة فساد ممتدة داخل بعض أجهزة الأمن الموريتاني. تبدأ القصة بعملية مداهمة يُفترض أنها تستهدف متهماً بحيازة مخدرات، لكنها تنتهي بمساومات مالية، وابتزاز عائلي، وتدخلات من مستويات عليا في إدارة الأمن، ما يفضح خللاً بنيوياً عميقاً في الجهاز الذي يفترض أنه صمام الأمان للدولة.
نفذ عناصر من المفوضية المسماة "المركز"، المختصة بملف المخدرات، عملية مداهمة لمنزل في حي "سيتي بلاج" الأسبوع الماضي، بعد صدور أمر بالتحرك من مفوض الشرطة المعني. ألقي القبض على الرجل المستهدف برفقة زوجته وابنته الصغيرة، وتم اقتيادهم إلى المفوضية. غير أن ما جرى لاحقاً تجاوز كل الإجراءات القانونية المعروفة. فقد تم احتجاز الموقوف دون إشعار الإدارة العامة للأمن الوطني ولا وكيل الجمهورية، في خرق صريح للقوانين المنظمة للاحتجاز والتحقيق.
على مدى أيام، تعرض الموقوف لابتزاز وترهيب من بعض عناصر المفوضية، الذين طالبوه بمبالغ مالية مقابل إطلاق سراحه حسب تصريحاته. وبعد مفاوضات غير رسمية، اتفق الطرفان على أن يدفع المتهم سبعة ملايين أوقية قديمة.
بشكل فوري، سلم المتهم 2.5 مليون أوقية قديمة، وطلب إذناً بسحب المبلغ المتبقي عبر نقطة تحويل بنكي قريبة. رافقه رقيب شرطة إلى النقطة، وتمت عملية السحب والدفع هناك، لتكتمل عملية الابتزاز. وبعد انقضاء هذه الصفقة المشبوهة، غادر الموقوف المفوضية رفقة أسرته في سيارته.
تداعيات الاتهام: الضابط المتنفذ يتدخل
بعد خروجه، لجأ الرجل إلى أحد ضباط الشرطة النافذين، الذي تربطه علاقة مباشرة بمدير الأمن المقال، محمد الأمين الشيخ برور. عرض الموقوف رواية مخالفة تماماً لما وقع، متهماً العناصر بسرقة مبلغ سبعة ملايين أوقية تحت التهديد.
تحرك الضابط على الفور، واتصل بمدير الأمن المقال الذي وجه مساعده بفتح تحقيق عاجل. تولى مفوض الشرطة القضائية مهمة التحري، واستدعى عناصر المفوضية المعنية لاستجوابهم.
وخلال التحقيق، أقر الرقيب المعني بحصول الصفقة. في تلك اللحظة، تدخل مفوض المركز صاحب القضية غاضباً من استجواب عناصره دون إذنه، لكن الرد من مفوض الشرطة القضائية كان صادماً: "امش يوضعك انت اثرك بعناصرك يسريريك". في إشارة واضحة إلى أن المسؤولية لا تقتصر على الأفراد بل تمتد إلى القيادة نفسها.
خلفيات إقالة مدير الأمن: شبكة نفوذ تتحدى القانون
ورغم أن حادثة "سيتي بلاج" لم تكن السبب المباشر في إقالة مدير الأمن برور، فإنها كشفت عن جزء من منظومة فساد بنيوي داخل القطاع. فقد تورط مدير الأمن المقال في تجاوزات أخطر، من بينها تعطيل تطبيق قانون الهيكلة الجديدة للشرطة الذي أقره البرلمان، بعد عرض من وزير الداخلية محمد أحمد أحويرثي.
وفق القانون الجديد، يُلغى منصب "ضابط الشرطة" ليتم استبداله بمسار مهني يعتمد على امتحانات وتكوين داخلي لمدة ثلاث سنوات قبل الترقية إلى رتبة "مفوض شرطة" إلا أن مدير الأمن برور خرق القانون لإرضاء صديقه مدير الأمن الأسبق "ولد الهادي"، فسمح ببقاء نجله في مدرسة الشرطة، متجاوزاً قرار تحويله إلى التكوين الخارجي، حفاظاً على منصب إداري كان يديره الشاب.
ولم تتوقف المخالفات عند هذا الحد، إذ قام مساعد مدير الأمن، افضيليي وبد الناجي، بإدراج أسماء من ضمنهم ابن أخته أخته وصهره – في قوائم التكوين دون أن يكونا شاركا في الامتحان أو استوفيا الشروط المطلوبة المتعلقة بالرتبة. هذه التلاعبات أظهرت بوضوح أن النفوذ لا يزال أقوى من القانون داخل مفاصل القطاع الأمني.
سقوط برور وصعود أحريطاني
كل هذه الملفات – من ابتزاز المواطنين إلى التعيينات المشبوهة – شكلت دافعاً حاسمًا لإقالة مدير الأمن محمد الأمين الشيخ برور.
تمت الإقالة على عجل، رغم أنه كان يستعد للسفر في مهمة خارجية، بعد استلامه تذاكر السفر وجواز سفره.
وبموجب مرسوم رئاسي مفاجئ ، تم تعيين الفريق محمد ولد أحريطاني مديراً عاماً للأمن الوطني، الذي اشترط قبل تسلمه المنصب إعداد تقرير مالي وإداري مفصل عن القطاع.
استجابت السلطات فوراً، حيث دخلت مفتيشة القوات المسلحة وقوات الأمن على الخط، وأجرت تحقيقات واسعة مع كبار المسؤولين في القطاع، شملت ملفات التسيير المالي، والترقيات المشبوهة، وعمليات الفساد التي ضربت جسد المؤسسة الأمنية.
تكشف هذه الواقعة بوضوح عن الوجه المظلم داخل بعض أجهزة الأمن الموريتاني، حيث يتحول القانون إلى أداة انتقائية تُستخدم لتصفية الحسابات أو ابتزاز المواطنين.
إن حادثة "سيتي بلاج" ليست مجرد قصة ابتزاز عابرة، بل مؤشر صارخ على خلل ممنهج تغذيه الحماية المتبادلة بين القيادات والكوادر الميدانية.
التحقيقات الجارية اليوم تمثل اختباراً حقيقياً لإرادة الإصلاح، فإما أن تعيد الثقة في الجهاز الأمني، أو أن تثبت أن الفساد أصبح المؤسسة غير المعلنة داخل وزارة الداخلية.
Sultan Elban سلطان البان
05-10-2025
هذه المعطيات ليست من مصدر رسمي