أدخلت أنقرة التوتر مع تل أبيب إلى مستوى جديد بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق 37 مسؤولا إسرائيليا، بينهم نتنياهو وكبار قادة الجيش والأمن، في خطوة تعكس انتقال المواجهة بين الطرفين من الساحة السياسية والأمنية إلى المسار القضائي. وقال محللون إن التطور تحمل أبعادا استراتيجية تتجاوز الطابع القانوني، وسط تداخلات معقدة في ملفات غزة وسوريا والعلاقات التركية الأميركية.
وطرح التصعيد القضائي الأخير أسئلة حول تأثير القرار على معادلة الردع بين الطرفين، وعلى أدوات السياسة الخارجية التركية، وعلى موقع أنقرة في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة.
وتعد الخطوة التركية الجديدة، حتى و لو جاءت متأخرة، "مهمة" وتعكس تبني أنقرة "موقفا جديدا" مما يجري في قطاع غزة، مؤكدا أن تركيا تستخدم هذه القضية "للتأكيد بأنها موجودة بشكل قوي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة كراعي للقضية الفلسطينية وما يجري في غزة". وأشار محللون إلى أن أنقرة "يمكن أن تستخدم هذه المذكرة ضد مسؤولين من قبل دولة الاحتلال وعلى وجه الخصوص نتنياهو كأداة إضافية" في المفاوضات المتعلقة بالقوى الأممية والدولية في غزة، ولفتوا إلى تصريحات إسرائيلية ظهرت قبل أيام تؤكد "رفضها مشاركة تركيا في أي قوى دولية خلال المرحلة القادمة".
ونوها إلى أن القرار، رغم رمزيته، "يحمل دلالات قوية ودلالات أخرى" تتعلق برغبة أنقرة في كسب دعم دولي وإقليمي، معتبرين أن الخطوة قد تشجع دولا أخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة "تضيق الخناق على حكومة نتنياهو". وقالوا إن تنفيذ القرار صعب طالما أن الصراع خارج الأراضي التركية، لكن "هذا القرار يحمل بعدا قانونيا قد تستخدمه تركيا لاحقا لتوسيع الملاحقات ضد قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
ويظهر أن الخطوة تحمل أبعادا داخلية، إذ تريد أنقرة أن "تقول للجميع بأنها موجودة بقوة"، ولا سيما تجاه "الشريحة المؤيدة للرئيس التركي رجب طيب اوردغان". كما أن المشكلة الأساسية تبقى في "العلاقة التركية الإسرائيلية وخاصة فيما يتعلق بموضوع اليوم التالي أو ما بعد الحرب والقوات الدولية".
هذا ويعتبر "المسار التركي الأمريكي هو الذي سوف يحدد المرحلة القادمة"، بدليل زيارة وزير الخارجية هاكان فيدان إلى واشنطن، وبحديث أردوغان مع ترامب حول الضغط على حماس للموافقة على وقف إطلاق النار.
بدوره أوضح الخبير في الشأن التركي سعيد الحاج في مقال له على موقعه الرسمي أن مذكرات الاعتقال صدرت بناء على طلب المدعي العام في إسطنبول ووجهت اتهامات "الإبادة الجماعية" و"الجرائم ضد الإنسانية" لنتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين، وأن القرار جاء بسبب استحالة توقيفهم مباشرة خارج تركيا، وبناء على عمليات ممنهجة في غزة والهجوم على "أسطول الصمود الدولي" واعتقال ناشطين شاركوا فيه.
وأشار إلى أن القرار يتزامن مع عدة محطات تصعيدية من جانب أنقرة، مثل تعريف العدوان في غزة كإبادة جماعية، واعتبار إسرائيل "دولة إرهاب"، ورفض التعامل مع نتنياهو، ورفض تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، إضافة إلى العقوبات التجارية وتفكيك شبكات تجسس للموساد. كما لفت إلى أن التطورات الإقليمية – من القصف الإسرائيلي في سوريا إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية – ساهمت في خلق مواجهة غير مباشرة بين أنقرة وتل أبيب.
وقال الحاج إن القرار يعكس أيضا نبض الشارع التركي خلال الحرب، ويأتي في سياق الضغط المتبادل بعد "الفيتو" الإسرائيلي على وجود قوات تركية في غزة. ورغم صعوبة تنفيذ القرار فعليا، فإن دلالاته السياسية والرمزية حاضرة بقوة، خصوصا أنه يتناغم مع مذكرات موازية من المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت.
ورجح الحاج أن تعمق هذه المذكرات أزمة العلاقات التركية الإسرائيلية في المدى المنظور، وربما لفترة أطول، خاصة مع تزايد المنافسة غير المباشرة بين الجانبين في سوريا. وأشار إلى أن بعض التقديرات ترى الخطوة كأداة تفاوض قد تستخدمها أنقرة لاحقا، كما حصل في اتفاق تطبيع العلاقات بعد حادثة "مافي مرمرة".
وتظهر مذكرات الاعتقال التركية كتحول بارز في طبيعة الصراع بين أنقرة وتل أبيب، وتكشف عن انتقال المواجهة إلى مستوى أكثر حدة يجمع بين القانون والسياسة والأمن. وبين من يعتبر الخطوة رمزية، ومن يراها بداية لمرحلة جديدة من الضغط التركي، يبقى المؤكد أن العلاقات بين الطرفين تتجه نحو مزيد من التوتر، وأن تداعيات هذا القرار ستظل حاضرة في ملفات غزة وسوريا والعلاقات التركية الأميركية خلال المرحلة المقبلة.
